سياسات القوة
في مسألة القوة ذات الاهمية البالغة ومسألة فعاليتها واخلاق القوة وجاذبيتها وسياسات القوة التي تمارسها اسرائيل، القاعدة الامامية للامبريالية الامريكية في الشرق الاوسط – نجد في الفترة الاخيرة تباينا في وجهة النظر الامريكية والاوروبية، فهناك تغير من قبل غالبية الدول الاوروبية باستثناء انجلترا وفرنسا مع ان كلتا الدولتين ترفضان سياسات الولايات المتحدة تجاه الاتفاق مع ايران... في الفترة الاخيرة غالبية الدول الاوروبية وخاصة المانيا واسبانيا والبرتغال وايطاليا والسويد وغيرها من الدول راحت تنبذ سياسة القوة
الاختلاف الأخير بين اوروبا والولايات المتحدة حول ايران والاختلاف هنا وهناك حول ممارسات إسرائيل الكولونيالية ورفض الدول الأوروبية نقل سفاراتها الى القدس كعاصمة لإسرائيل التي تمارس ابشع وسائل الاحتلال البربري، وما يجري في الخان الاحمر في الفترة الأخيرة لأكبر دليل على ذلك، تدل على عدم وجود رؤية واحدة للعالم من قبل الاوروبيين والامريكيين. ففي مسألة القوة ذات الاهمية البالغة ومسألة فعاليتها واخلاق القوة وجاذبيتها وسياسات القوة التي تمارسها اسرائيل، القاعدة الامامية للامبريالية الامريكية في الشرق الاوسط – نجد في الفترة الاخيرة تباينا في وجهة النظر الامريكية والاوروبية، فهناك تغير من قبل غالبية الدول الاوروبية باستثناء انجلترا وفرنسا مع ان كلتا الدولتين ترفضان سياسات الولايات المتحدة تجاه الاتفاق مع ايران، ولكنهما مارستا سياسة القوة سوية ضد سوريا باطلاقهم الصواريخ بحجة استعمال الجيش السوري للاسلحة الكيماوية والتي ثبت لاحقا بان ما نشر من وسائل الاعلام الغربية واسرائيل والانظمة الرجعية العربية لا بل انظمة "الغنم" العربية التي تأتمر بأمر الذئب الامريكي – الاسرائيلي، هي اكاذيب اعلامية سياسية كانت تهدف تبرير التدخل الغربي ضد سوريا والذي فشل بعد تهديد روسيا بان هذه الممارسات الامريكية – الفرنسية الانجليزية سوف تخلق فوضى عالمية. فتراجع قوة العدوان المذكورة اعني الولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا لم يأت من فراغ بل كان نتيجة للموقف الروسي الحاسم تجاه عدوانية هذه الدول المذكورة.
ولكن في الفترة الاخيرة غالبية الدول الاوروبية وخاصة المانيا واسبانيا والبرتغال وايطاليا والسويد وغيرها من الدول راحت تنبذ سياسة القوة او تعاينها من منظور ورؤية سياسية استراتيجية تختلف عن المنظور الامريكي – الاسرائيلي العدواني، سياسة غطرسة القوة وبدأت تتجاوز مفهوم القوة مفاهيم ميكيافيلي وصولا الى عالم منطو على ذاته قائم على جملة من القواعد والقوانين في التفاوض والتعاون العابر للحدود القومية. والمؤتمر الاخير الذي عقدته الدول الاوروبية لمناقشة الهجرة على مدى قرون، وهي نتيجة للاستعمار الكولونيالي الاوروبي لأفريقيا، لأكبر دليل على ان الدول الاوروبية بدأت تبحث عن اساليب انسانية مشتركة من اجل عمل جماعي انساني لحل هذه القضية. وهذه المحاولة غير الناجحة تماما نجحت في المانيا، وليس كما يفعل ترامب في اقامة جدار حاجز مع المكسيك، وطبعا ليس كما تفعل اسرائيل في اقامة الجدار العازل ومحاصرة غزة، هذه السياسات التي ترتكز على ايديولوجيات عنصرية شوفينية تماثل سياسات الابرتهايد. وتلقى اسرائيل كل الدعم الامريكي لها، بما في ذلك الاعتداءات العسكرية المتكررة على سوريا الوطن والشعب، وتمارس سياسات القتل العمد ضد مظاهرات العودة على جدار غزة.
اتمنى ان يكون هناك تعاون ما بين الصين وروسيا واوروبا وايران لتخطي تحديات الولايات المتحدة واسرائيل، خاصة دعم التعاون المشترك في الحفاظ على الاتفاق الدولي مع ايران الذي قامت الولايات المتحدة بالتوقيع عليه في فترة حكم اوباما، ورفضه ترامب وسط مباركة اللوبي الصهيوني العالمي واسرائيل واليمين المسيحي الصهيوني الامريكي، فهل ستعمل اوروبا بشكل ايجابي ومستقل في هذا المجال من اجل ولوج فردوس ما بعد التاريخ، يجلب السلم والازدهار النسبي للشعب الايراني وشعوب الشرق الاوسط لا بل الانسانية جمعاء رغبة في التحقق الفعلي ل "سلام امانويل كانط" (المتأثر والمتقبل لا بل والناسخ لفلسفة ابن رشد العقلانية) "الابدي"، اما الولايات المتحدة وخاصة في فترة المأفون ترامب فما زالت تمارس سياسة الغطرسة والتفرد في السياسة الخارجية الامريكية وخاصة ضد ايران وضد الحل العادل للقضية الفلسطينية وطرح فكرة حل القضية الفلسطينية، من خلال ما يسمى "صفقة القرن" لأكبر دليل على ان هذه الممارسات التي تهدف خدمة مصالح اسرائيل وشركات تجارة السلاح الامريكية ونهب مال الشعوب العربية، وصفقة شراء الاسلحة الاخيرة مع السعودية التي دفعت السعودية ثمنها اكثر من 380 مليار دولار، لأكبر دليل على ذلك وهذه الممارسات تخلف دوامة عالمية من انتشار الارهاب الرسمي الامريكي – الاسرائيلي - السعودي وما يجري في سوريا واليمن لأكبر مثل على ذلك. فالولايات المتحدة ما زالت هي وربيبتها اسرائيل غائصتان في وحول التاريخ دائبتان على مزاولة عالم هوبر الفوخوي حيث لا مجال للتعويل على القوانين والقواعد الدولية، واستعمال الولايات المتحدة لقانون النقض "الفيتو" عشرات المرات دعما لاسرائيل وخاصة في الفترة الاخيرة في مجلس الامن وانسحاب امريكا من منظمة حقوق الانسان لأكبر دليل على ذلك.
فأمريكا الامبريالية واسرائيل الصهيونية ما زالتا تمارسان مفاهيم وسياسات عدوانية ترتكز على ان الامن "الحقيقي" يعتمد على امتلاك القدرة العسكرية، وكأن الولايات المتحدة واسرائيل قادمين من كوكب المريخ (من مارس، اله الحرب) والاوروبيين وخاصة روسيا وباقي الدول الاوروبية وباستثناء عيني، وخاصة خلال الهجوم الامريكي الانجليزي الفرنسي على سوريا بالصواريخ هابطين من كوكب الزهرة (من فينوس، الهة الحب والجمال) في جملة الامور الاستراتيجية والدولية الكبرى المثارة اليوم لا شك بان الرأسمالية العالمية الاوروبية والامريكية يتفقان في بعض المجالات التي تخدم مصالح كلا الطرفين، ولكن هناك العدد من التناقضات في فهم ممارسة كل منهما للآخر بإطراد وخاصة في الفترة الاخيرة، خاصة بالنسبة للاتفاق مع ايران الذي انسحبت منه الولايات المتحدة بضغط اللوبي اليميني الصهيوني المسيحي الامريكي واللوبي اليهودي المتمثل بالرئيس المأفون ترامب وممارسات الولايات المتحدة الامريكية الاخيرة، وخاصة تجاه الاتفاق النووي مع ايران ومحاولة فرض ضرائب جمركية على المواد والمنتجات المستوردة من اوروبا والصين ستؤدي الى خلق هوة عميقة عابرة للاطلسي، لها تاريخ وستبقى على ما يبدو.
لعل الفروق تكون اسهل على امريكي يعيش في اوروبا فالاوروبيون اعمق ادراكا لاوجه الاختلاف المتنامية ربما لأنهم يخافونها اكثر، يكاد المثقفون الاوروبيون يُجمعون على الاقتناع بان سياسة الولايات المتحدة في عدة قضايا دولية كالقضية الفلسطينية والموقف من ايران، والتأييد المطلق لسياسات حكام اسرائيل العدوانية لا يتماشى ولا يمكن تقاسمه مع الولايات المتحدة، و "الكاريكاتور" الاوروبي في تطرفه يصور امريكا تسودها "ثقافة الموت" وامريكا ليس فقط سياستها الحربية العدوانية من فيتنام الى دول امريكا اللاتينية الى افغانستان والعراق وسوريا بشكل محدود، وذلك بسبب الموقف الروسي الواضح المدافع عن وحدة الشعب والوطن السوري ضد منظمات الارهاب المدعومة من الانظمة الرجعية العربية وخاصة السعودية واسرائيل والولايات المتحدة التي كان لها دور كبير في دعم هذه المنظمات، فكما يُقال أخبر الروس أمريكا، دمشق هي موسكو وموسكو هي دمشق، وهذا الموقف الروسي بدعم الصين وايران وحزب الله هو الذي افشل مؤامرة الثالوث الدنس – أي الولايات المتحدة واسرائيل والسعودية ضد سوريا، ولولا الموقف الروسي لكان الثالوث الدنس فعل في سوريا ما فعله في افغانستان والعراق وما يفعله الآن في اليمن، وهنا لا بد ان نذكر بان الادارات المتتالية للولايات المتحدة مارست سياسة العدوان خدمة لطبقة رأس المال العابر للقارات وخدمة شركات صناعة السلاح، وهذه السياسة خلقت حتى داخل الولايات المتحدة مزاج ومفاهيم حربية، وهذا ايضا نتاجا طبيعيا لمجتمع يملك فيه كل رجل مسدسا وتسوده عقوبة الاعدام غير ان اولئك الذين ينأون بأنفسهم عن اجراء مثل هذا الربط يقرون بوجود اوجه اختلاف عميقة بين الطريقتين اللتين تتبعانهما الولايات المتحدة واوروبا في ادارة دفة السياسة الخارجية وخاصة بالنسبة لايران والقضية الفلسطينية ورفض اوروبا للدعم المطلق من قبل الولايات المتحدة لاسرائيل، ومثل على ذلك رفض الدول الاوروبية نقل السفارات الى القدس ورفض سياسة الاستيطان البربري الاسرائيلي المدعوم سياسيا واقتصاديا من قبل الولايات المتحدة وأخص بالذكر موقف الاتحاد الاوروبي الرافض لسياسات اسرائيل خلال احداث غزة الاخيرة ورفض العديد من الدول الاوروبية لسياسات اسرائيل العدوانية الهمجية الارهابية في الخان الاحمر.
فالولايات المتحدة تمارس سياسات القوة مباشرة من قبلها او بشكل غير مباشر من قبل ربيبتها اسرائيل فيكفي ان نذكر احتلال العراق والجرائم التي ترتكب في اليمن على ايدي التحالف العربي لا بل التحالف الامريكي الصهيوني ودعم امريكا لحصار غزة وسياسات اسرائيل العدوانية ضد مظاهرات العودة على امتداد الجدار العازل في غزة. فأمريكا ترى بنفسها وباسرائيل الخير اما الشعوب الاخرى المحتلة والمضطهدة والمغتصبة فهي قوى الشر وامريكا واسرائيل خاصة في الشرق الاوسط يفضلون لا بل يمارسون سياسة القسر والاضطهاد ورفض الآخر، بدلا من الحوار الحضاري والمنفتح على الآخر ومرجحين كفة العصا الغليظة على كفة الجزرة، وتبني ودعم امريكا لمواقف اسرائيل العدوانية ودعمها للاحتلال الكولونيالي العنصري البربري وعدم الاخذ بعين الاعتبار لا بل رفض القضية العادلة للشعب الفلسطيني من خلال اقامة دولته المستقلة الى جانب اسرائيل وعاصمتها القدس الشرقية، والاعلان عن وجود ما يسمى "بصفقة القرن" من اجل حل لا بل القضاء على القضية الفلسطينية بتنسيق كامل مع اسرائيل والانظمة الرجعية العربية هو اكبر مثل على استعمال العصا الغليظة من قبل الذئاب المفترسة امريكا واسرائيل والانظمة الرجعية العربية، ولكن الشعب الفلسطيني الذي عانى من جرائم النكبة من قبل حكام اسرائيل الذين يحتكرون الكارثة قادر على افشال هذه المؤامرة الجديدة، ففي النهاية لا بد وان تشرق شمس حرية الشعب الفلسطيني شاء من شاء وأبى من أبى، ومن لا يستطيع تحمل وتقبل شمس حرية الشعب الفلسطيني ليذهب الى ظلام حكام اليمين الامريكي والى بروكلين.
لا شك بان الولايات المتحدة وخاصة في فترة حكم ترامب يتبنون النزعة الاحادية، لاعتقادهم بأنهم القطب الواحد في عالم اليوم، وهذا اساس جرائمهم المتكررة حول العالم، لذلك يرفضون هم وحكام اسرائيل العمل عبر المؤسسات الدولية كالأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان والهيئات الدولية الاخرى، ويرفضون التعاون مع دول اخرى لتحقيق اهداف مشتركة تخدم السلام العالمي وهكذا نرى اسرائيل ترفض دعوة روسيا لاجراء لقاءات ومحادثات بين نتنياهو ومحمود عباس، وترفض الولايات المتحدة مشاركة أي دولة في المحادثات مع كوريا الشمالية، والولايات المتحدة واسرائيل اكثر الدول مخالفة للقانون الدولي واكثر الدول استعدادا للتحرك خارج شباك هذا القانون عندما يجدون ذلك ضروريا او حتى مفيدا لمصالحهم وحسب، فالتفكير الامبريالي الامريكي الصهيوني الاسرائيلي هو نمط تفكير نموذجي يميل الى التأكيد على الحلول العسكرية والتكنولوجية والاحادية، للمشكلات الدولية وعلى حساب الحلول السياسية القائمة على التعاون والالتزام بالقانون الدولي وحقوق الانسان، في حين نرى غالبية الدول الاوروبية يفضلون التفاوض والدبلوماسية والاقناع بدل اسلوب القوة وهذا ما شاهده في تعامل اوروبا مع ايران في الفترة الاخيرة، خلال المؤتمر الاوروبي لبحث قضية الهجرة لاوروبا وليس ما فعله ترامب بأطفال المكسيك وما يفعله باقامة الجدار العازل على طول الحدود مع المكسيك.
لا شك ان المرء لا يستطيع ان يعمم حين يتحدث عن الاوروبيين، قد يكون البريطانيون اكثر اوروبيي القارة تبنيا للنظرة "الامريكية" الى القوة هذا لا يعني بان هناك امريكيون كثير وخاصة بين النخبة المثقفة ليسوا اقل انزعاجا من السياسة العدوانية للامبريالية الامريكية صانعة الحروب في العديد من مناطق العالم، من أي اوروبي، كما ان بعض الاوروبيين يضاهون أي امريكي على صعيد تقويم القوة.
في اكتوبر عام 2002 ايدت اكثرية "دمقراطية" من اعضاء مجلس الشيوخ قرارا يفوض الرئيس بوش بحق شن الحرب على العراق بينما نجد نظراءهم السياسيين في فرنسا والمانيا وايطاليا وبلجيكا بل وحتى المملكة المتحدة كانوا ينظرون بدهشة ورعب ورفض لما تفعله الولايات المتحدة في العراق. هناك نظرة كلبية شائعة في الاوساط الاستراتيجية والتجارة بدم الشعوب الامريكية تقول ان الاوروبيين ليسوا ببساطة شديدة الا مستمتعين بـ "الركوب المجاني" الذي ظلت توفره لهم المظلة الامنية الامريكية على امتداد العقود الاخيرة. وفي النهاية هناك مشكلات عميقة اقتصادية واجتماعية وسياسية تنوء تحت ثقلها العلاقة بين ضفتي الاطلسي اليوم، وآخر مثل على ذلك الموقف من ايران والموقف من سياسات حكام اسرائيل خاصة الاخيرة في غزة والخان الاحمر، غير انها تبقى في نهاية المطاف اكثر من مجرد صيغة مبتذلة تقول ان الولايات المتحدة واوروبا تتقاسمان مجموعة من المعتقدات الغربية ففي النهاية تناقض مصالح رأس المال بين هذه الدول سيفرض نفسه على ارض الواقع وستغير الكثير من المعتقدات والمفاهيم والسياسات التي تكون البناء الفوقي لمجتمعات رأس المال وستدفع الى التناقض الجدلي بين وداخل دول رأس المال، الدول الامبريالية نفسها وبين ضفتي الاطلسي، وهذا التناقض سيزداد بعد قيام ووجود قطب آخر في العالم وأعني الصين وروسيا.
وقد يصبح هذا القطب الآخر من القوة رادعا لسياسات الولايات المتحدة عالميا وربيبتها اسرائيل في منطقة الشرق الاوسط، هذه الدول أي الولايات المتحدة واسرائيل المتاجرتان بدم الشعوب خدمة لمصالح شركات النفط العابرة للقارات وخدمة لمصالح الصهيونية العالمية واسرائيل في المنطقة، وحينذاك نصل الى وضع من الاستقرار والحوار والتعاون، لا بل الحفاظ على السلام العالمي – الفردوس المفقود.