ظهور مملكة آل سعود وخدمتها للمشاريع الاستعمارية (3)

15 تشرين2/نوفمبر 2014, 12:00 am كتبه 
نشر في مقالات
قراءة 1808 مرات

 استغلت بريطانيا هذه الحرب وشجعت آل سعود ودعمتهم للقيام بالإغارة على منطقة الإحساء لاحتلالها في مايو 1913. وفرحًا بالنصر أرسل آل سعود في 13 يونيو 1913 رسالة إلى بريطانيا  جاء فيها: "بالنظر إلى مشاعري الودية تجاهكم أود ان تكون علاقاتي معكم كعلاقات التي بينكم وبين إسلافي".


كان الحل بالنسبة للاستعمار الامبريالي البريطاني من اجل تنفيذ المؤامرة الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط (اتفاقية سايكس بيكو) وإعطاء فلسطين "لليهود المساكين"، البحث عن أداة لتنفيذ هذا المخطط. هذه الأداة كانت عبد العزيز آل سعود واختياره لم يأتِ من فراغ فهناك علاقة بين بريطانيا وتلك الأسرة والتي علا نجمها وبدأت في الظهور كقوة منذ عام 1745 حين قام عثمان بن معمر حاكم العينية في الجزيرة العربية بطرد الشيخ محمد بن عبد الوهاب والذي لم يجد مكانًا يلجأ إليه سوى الدرعية مسقط رأس آل سعود. وهكذا وجد الشيخ مستقر يساعده في نشر دعوته وآل سعود وجدوا فيه المبرر لتنفيذ أحلامهم السياسية.


فالعلاقة بين الحركات السياسية والدينية كانت وكذلك آلاف وستبقى علاقة تبادلية، فالحركات الدينية الرجعية مثل الوهابية سعت في الماضي وتسعى الآن لطلب الحماية السياسية من الحكم حتى ولو كان نظام استبدادي في مقابل تقديم المبرر الشرعي في تنفيذ سياستها ومفاهيمها الأصولية.
من هذه العلاقة بدأ بحكم آل سعود يعلو وبدأ نفوذهم السياسي يمتد إلى القبائل المجاورة بعد ان اعتنق الكثيرون آراء الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأصبح أعداء الوهابية أعداء الإسلام.
وهذا ما تفعله الآن السعودية من تشويه للإسلام الحقيقي وتأجيج الصراع الديني في العالم العربي على حساب القضايا المأزومة. فالوضعية الراهنة للعالم العربي والتي هي الأسوأ في تاريخه فرغم عدد سكانه واتساع أرضه وتعدد دوله ورغم اقتسامه لغة وتاريخ وارض وثقافة مشتركة وتختزن ما لا يُحصى من الكنوز وهبات الطبيعة، ثمة أنظمة استبداد وطغيان وحركات أصولية تمارس العنف بأبشع أشكاله ومعه بؤس وفقر وجهل يعاني منه المجتمع العربي.


وهذه الوضعية تصبح عصية على الفهم عندما نستند إلى التاريخ. فمع ظهور الإسلام استطاع العرب وبقوتهم المتظافرة مع الانفتاح على الحضارات الأخرى من فارسية ويونانية واسبانية وبربرية وهندية بالإضافة إلى مسيحيي مصر وبلاد الشام وما بين النهرين، رفع الحضارة الإنسانية إلى أوج لم يبلغه قط احد قبلهم. وما يجري الآن في عالمنا العربي بتأثير أنظمة الاستبداد والأصولية والبترودولار مصيبة لا بل كارثة إنسانية ابتليت بها الأمة العربية وهذا ما يفسر الهوة بين الماضي والحاضر لهذه الأمة. فليس الإسلام هو أصل المصيبة بل المصيبة هي ما فعله ويفعله المسلمون أنفسهم بالإسلام.


وهكذا نجحت في الماضي والآن الحركة الوهابية وتحولت إلى ايديولوجية دولة، حيث أتاحت لعبد الوهاب الدعم والحماية وقدمت لابن سعود الايديولوجية والإتباع لتنفيذ أهدافه. ومن هنا بدأ آل سعود في تأسيس أول دولة لهم في عام 1795 عندما تمكنوا من القضاء على دولة بني خالد في منطقة الإحساء.
وعندما اعتنقت قبيلة القواسم التي كانت تحترف أعمال القرصنة في المنطقة العربية العقيدة الوهابية وأصبحت أعمال السلب والقرصنة نوعًا من "الجهاد" بعد ان قرر زعيم القواسم تأدية  خُمس الغنيمة إلى الحاكم الوهابي "آل سعود"، ومع مرور الأيام أصبحت مهاجمة القواسم للسفن في منطقة الخليج لا تهدد انجلترا فحسب بل أصبحت تهدد أيضًا الخليفة العثماني والذي كان خادمًا للحرمين، ومثل هذه الأمور تقلل من مكانته وسط المسلمين.
هذا الوضع المتأزم دفع الخليفة العثماني إلى تكليف الوالي محمد علي حاكم مصر للقيام بحملة تأديبية للقضاء على الوهابية وهكذا في عام 1814 استطاعت قوات محمد علي الوصول إلى الدرعية حيث استسلم عبدالله بن سعود (الذي خلف سعود بن عبد العزيز بعد وفاته) إلى قوات إبراهيم باشا حيث تم اقتياده إلى مقر الخلافة العثمانية واعدم بعد ان شهر به لمدة ثلاثة أيام وبإعدامه انهارت أول دولة لأسرة آل سعود.


وظهرت الدولة الثانية لآل سعود عقب اتساع نفوذ أسرة محمد علي بعد ان تمكن إبراهيم باشا من توحيد الإمارات العربية بشكل لا يتفق مع مصالح بريطانيا في منطقة الخليج وزاد من خوف بريطانيا على مصالحها رفض المصريين التعامل أو الدخول في اتفاقيات ثنائية مع بريطانيا. حدث هذا في وقت بدأت بشائر تمرد محمد علي على الخلافة العثمانية تظهر، الأمر الذي دفع بريطانيا إلى تحريك الأسطول البريطاني في مواجهة خورشيد باشا القائد المصري لمنعه من الاستمرار في التقدم وتوحيد الإمارات العربية لدرجة ان بريطانيا توسطت للخليفة العثماني للإفراج عن "تركي" ابن عبدالله بن سعود من السجن المصري في الوقت الذي كانت القوات المصرية قد دمرت الدرعية وتركت إقليم نجد بلا حاكم. الأمر الذي احدث نوعًا من الفوضى حتى ظهر رجل يُدعى محمد بن معمر استغل هذه الفوضى واجبر غبوش باشا الحاكم العثماني على توليه منصب "إمارة نجد"، وهذا الحكم لم يدم طويلا عقب الإفراج عن تركي بن عبدالله، والذي عاد ليؤسس الدولة السعودية الثانية، حيث بدأ في إعداد وتنظيم الفلول الهاربة من الوهابيين حيث تمكن من قتل محمد بن معمر والاستيلاء على الحكم لتقام الدولة السعودية الثانية.
ولكن هذه الدولة لم تدم كثيرًا بعدما قرر فيصل ابن تركي الوقوف أمام محاولات خورشيد باشا توسيع النفوذ المصري على منطقة الجزيرة العربية بإيعاز من بريطانيا، والتي قررت دعمه، أي دعم فيصل ابن تركي آل سعود، لمنع توسيع النفوذ المصري والذي كان يرى ان ظهور إمارة جديدة لآل سعود سوف يحول دون توسيع النفوذ المصري. وفشلت محاولات خورشيد باشا في إقناع فيصل بن تركي بالوقوف معه ضد الانجليز، وهكذا أقام فيصل تحالف من الاستعمار البريطاني ضد محمد علي. وهذا ما يقوم به آل سعود الآن من إقامة تحالفات استراتيجية مع أمريكا وإسرائيل ضد عبد الناصر في اليمن وضد الوحدة العربية المصرية السورية في الستينيات والآن تحالف استراتيجي امبريالي أمريكي صهيوني عالمي رجعي عربي بغطاء الإسلام الوهابي السعودي ضد شعوب المنطقة. واكبر مثل على ذلك ما يجري على الأرض السورية من مؤامرة تهدف إلى تمزيق وتفكيك سوريا الوطن والشعب إلى دويلات وإمارات على أساس اثني وطائفي لمصلحة رأس المال البترودولار السعودي الأمريكي في المنطقة ولصالح امن لا بل دعمًا للعدوان الإسرائيلي على شعوب المنطقة.


ويعد فيصل أول حاكم في أسرة آل سعود يستطيع إبرام اتفاق مع بريطانيا لمنع أعمال السلب والنهب كما انه أو حاكم يستطيع التعهد لبريطانيا بالتوسط بينها وبين الأمراء العرب لإقامة علاقات ودية. وهذا الدعم الاستعماري البريطاني إلى فيصل زاد من العداء بين خورشيد باشا وفيصل، الأمر الذي أدى إلى صدام بينهما انتهى بموت فيصل وحدوث خلافات حول تولي الإمارة بين ابنيه سعود وعبدالله، والذي انتهى بانهيار الدولة الثانية لآل سعود عام 1885. ورحيل الأسرة كلها إلى الكويت لتقيم في ضيافة مبارك الصباح ومن هناك تبدأ صفحة جديدة من صفحات آل سعود وهي المرحلة الخاصة بتأسيس الدولة الثالثة وهي الموجودة حتى الآن، والتي تستمر في سياساتها التي تخدم دول رأس المال الغربي وطبقة أغنياء رأس المال النفطي البترودولار في السعودية ودول الخليج على حساب وحدة ومستقبل الشعوب العربية من خليجها إلى محيطها.


عقب انهيار الدولة الثانية لجأت أسرة آل سعود بأكملها إلى الكويت في ضيافة حاكمها مبارك الصباح وأصبح حكم نجد كله في يد آل رشيد.
وزاد من أهمية أسرة آل سعود والصباح هو التقارب الشديد بين ألمانيا وروسيا وتسوية الخلافات بينهم. هذا المناخ النفعي دفع بريطانيا دفعًا لإعادة أسرة آل سعود إلى حكم الرياض في عام 1902 بقيادة عبد الرحمن آل سعود والد عبد العزيز آل سعود، وكل هذا الدعم البريطاني كان يتم بشكل غير مباشر وعبر مبارك الصباح، واستمرت تلك العلاقة تأخذ شكلا غير مباشر حتى افتتاح خط سكة حديد الحجاز عام 1908. 
وبافتتاح خط سكة الحديد بدأت المخاوف البريطانية تزداد من نمو الوجود الألماني العثماني في منطقة الخليج حتى جاء عام 1911 وهو تاريخ الحرب التركية ضد الطليان في طرابلس وحروبها في منطقة البلقان.


واستغلت بريطانيا هذه الحرب وشجعت آل سعود ودعمتهم للقيام بالإغارة على منطقة الإحساء لاحتلالها في مايو 1913. وفرحًا بالنصر أرسل آل سعود في 13 يونيو 1913 رسالة إلى بريطانيا  جاء فيها: "بالنظر إلى مشاعري الودية تجاهكم أود ان تكون علاقاتي معكم كعلاقات التي بينكم وبين إسلافي".
وعقب هذه الرسالة كتب برسي كوكس ضابط المخابرات الانجليزية تقريرًا إلى رئاسته جاء فيه: "ان تجاهل محاولات الأمير عبد العزيز المتكررة سوف تحول نظرته إلى نظرة عدائية تجاه انجلترا. وأما اتساع النفوذ التركي في منطقة الجزيرة العربية والتقارب الألماني التركي وخط السكة الحديد الجديد وتقارير المخابرات البريطانية، كل هذه العوامل مجتمعة دفعت بريطانيا في مارس 1914 إلى توقيع اتفاق بينها وبين الأمير عبد العزيز آل سعود جاء فيه: 
1. تقوم بريطانيا بالمحافظة على الخليج ومنع التعدي على الأمير عبد العزيز آل سعود (وهذا ما تقوم به الآن الامبريالية الأمريكية في دعم بقاء أنظمة الاستبداد العربي ومنها آل سعود).
2. يعاد النظر في فرص أخرى في مسالة إدخال الأسلحة (واليوم السعودية هي من اكبر مستوردي السلاح الأمريكي في المنطقة طبعًا بعد إسرائيل).
3. يحافظ الأمير عبد العزيز على الرعايا الانجليز وتجارتهم في الخليج (واليوم لأمريكا قواعد عسكرية في معظم بلدان الخليج وفي السعودية نفسها).
بموجب هذا الاتفاق سلمت بريطانيا بالأمر الواقع وأعلنت ان عبد العزيز آل سعود هو والي نجد وتم منحه لقب باشا (قد يكون الآن آل سعود يريدون لقب الخلافة!). وان تبقى نجد بالوراثة بين أبناء عبد العزيز وهكذا أصبح لأسرة آل سعود معاهدة واتفاق ومعاهدة حماية بريطانية.


وتاريخ توقيع هذه الاتفاقية هو بداية العلاقة المباشرة بين بريطانيا وأسرة آل سعود والتي كانت دائمًا ومنذ ذلك التاريخ تزداد قوة كلما ساءت العلاقة بين الشريف حسين الذي رفض وعد بلفور وبين بريطانيا بينما سنرى لاحقًا كيف استطاع آل سعود مقابل مساعدة بريطانيا في السيطرة على الجزيرة العربية مقابل تنازل آل سعود عن فلسطين "لليهود المساكين"

 

المصدر: مركز العميد الدولي للدراسات الإستراتيجية والدولية)

قيم الموضوع
(0 أصوات)
د. خليل اندراوس

الدكتور خليل اندراوس

الموقع : www.khalil-andrawes.com