في النهاية
من المؤسف والمحبط أن يكون الاحتفال بعيد النصر على النازية في غابة الجيش الأحمر بتاريخ 10/5/2018 بحضور يغئال ياسينوف رئيس الصندوق القومي الاسرائيلي، الذي ترأس الاحتفال ورفض ان يُرفع العلم الأحمر خلال الاحتفال وقال لأحدهم بأنه ضد الشيوعية. ومن إفتراءات المدعو ياسينوف أنه منذ عام 1967 لم تقم احتفالات بذكرى النصر على النازية. ولكن الكل يعلم بأن الحزب الشيوعي وحركة الصداقة سنويا كانت تحتفل بذكرى النصر على النازية وبحضور وفود سوفييتية ومشاركة المئات. كذلك من المؤسف أن يسير نتنياهو في الساحة الحمراء وتحت العلم الأحمر، ورجاله هنا يمنعون رفع هذا العلم.
في النهاية علينا ان نرى بان هتلر لم يكن وحده مختارا من قبل الشيطان، فالنظام النازي سار مع منطق شناعة النظام الرأسمالي، كما كانت ايضا بعد ذلك بعدة سنوات مساعدة الولايات المتحدة لبينوشيه والجنرالات الجلادين في الارجنتين والبرازيل وفرق الموت التي شكلوها، وحرب الولايات المتحدة في فيتنام واحتلال العراق والمؤامرة على سوريا، والتطهير العرقي الذي مارسته اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني واستمرار الاحتلال الاسرائيلي واستمرار الاستعمار الكولونيالي يسايرون نفس نظم انعدام الانسانية وشناعة النظام الرأسمالي وشناعة العنصرية الشوفينية الصهيونية والنظام العسكري الامبريالي الامريكي والوهابية السعودية مختارين من قبل الشيطان ومنعدمي الانسانية والاحداث الاخيرة التي قام بها جيش الاحتلال والحصار الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده وخاصة ضد مناضلي غزة لاكبر دليل على ذلك.
استراتيجية الولايات المتحدة الامريكية المتعلقة بسياسات القطب الواحد والسيطرة على العالم تنضوي تحت المشروع الهتلري النازي للسيطرة على العالم والذي لم يتحقق بسبب تأخر هتلر في امتلاك السلاح الذري، والذي لم يكن ليتورع عن استخدامه ضد الاتحاد السوفييتي او أي دولة أخرى، مثلما لم يتورع ترومان عن تدمير السكان المدنيين في هيروشيما ونغازاكي، ولا تشرشل والداعم المخلص للصهيونية عن استخدام قنابل الفوسفور في قتل السكان المدنيين في درسدن (135 الف قتيل في ليلة واحدة). وفي كلتا الحالتين لم يكن هناك أي ضرورة عسكرية حيث كان امبراطور اليابان قد بدأ فعلا الاستسلام، وكانت القوات الالمانية قد اخلت بالفعل درسدن وتجاوزتها الجيوش السوفييتية . وما تفعله اسرائيل ضد غزة المحاصرة حصارا ارهابيا وضد مظاهرات شعبية مناضلة تطالب بالعودة إلى وطنها لهو عمل ارهابي همجي عدواني غير انساني مختار من قبل الشيطان الامريكي الاسرائيلي.
ان اهداف السيطرة على العالم والتي كانت هي نفسها اهداف هتلر، قد تم تحقيقها بطريقة لم يتوقعها احد ولكن هتلر كان قد خلق شروطها الاساسية: اتحاد سوفييتي منهك بشدة بسبب حرب كان قد تحمل اشد اعبائها واوروبا مدمرة على ارضها وغير قادرة على الاحتفاظ بتحكمها الاستعماري في باقي العالم.
لقد تم تطبيق البرنامج الهتلري للسيطرة على العالم نقطة فنقطة: بدءا من انهيار الاتحاد السوفييتي ثم تبعية اوروبا ومحاولة غزو دول وشعوب مضطهدة في شتى انحاء العالم كفيتنام وافغانستان والعراق وليبيا والمؤامرة على سوريا. وقد تم ذلك بواسطة خصوم هتلر المؤقتين في الغرب والذين كانوا قد حبذوا صعوده إلى السلطة حتى عشية الحرب العالمية الثانية لأنهم كانوا يرون فيه "حاجزا" ضد الاتحاد السوفييتي" (فقد قامت فرنسا بإمداد هتلر في ثلاثينيات القرن الماضي بالحديد والصلب وانجلترا مدته بالقروض والاعداد في عام 1939 لحرب انجليزية فرنسية ضد الاتحاد السوفييتي من فنلندا إلى القوقاز مع وايجاند (جنرال فرنسي كان رئيسا لغرفة عمليات البحر المتوسط عام 1939 ثم وزيرا للدفاع في عهد نظام فيتس (1940).
في اعقاب الحرب قاموا باستخدام افضل خبراء هتلر مثل فون براون للصواريخ وفون جيلين للمخابرات في الشرق لكي ينجزوا بوسائل أخرى (هذه المرة الرأسمالية الاحتكارية العابرة للقارات وشركات النفط، تجار دم الشعوب وشركات الاسلحة والتي تساندها القوات المسلحة وقت الحاجة) حلم هتلر في السيطرة على العالم. هذه الامبريالية والتي تعتبر اعلى مراحل تطور الرأسمالية والصهيونية العالمية وربيبتها اسرائيل القاعدة الامامية للامبريالية العالمية تمارس تعميق وتوسع استعمار جديد موحد بواسطة تبعية الامبراطوريات القديمة في اوروبا (انجلترا وفرنسا) يهدف إلى تعميق انشطار العالم وتمزيقه ليس فقط بزيادة بؤس دول الجنوب ولكن ايضا بالعمل على تفاقم البطالة والتهميش وتعميق الصراع الطبقي والقومي في اوروبا وعالميا.
ان نظام الملكية المطلقة للدولار قد تم اكماله بواسطة ديكتاتورية السلاح الذري واسلحة أخرى تهدد بها الولايات المتحدة وربيبتها اسرائيل، وقد انجز انشطار العالم بواسطة التصور الشيطاني لعدو محتمل: بالامس كانت البولشفية (والتي كان هتلر هو الدرع الواقي ضدها)، ثم كان انقسام اوروبا إلى شرق وغرب والحرب الباردة ضد امبراطورية الشر. ثم كان التعارض بين الشمال والجنوب ضد امبراطورية شر جديدة تهدد هي ايضا على المستوى العالمي أمن الامبريالية العالمية المالكين والغزاة: واصبح الاسلام مرادفا للارهاب وذلك من خلال خلط لغوي (سيمانطيقي) بين المقاومة والارهاب. كما اصبح الاسلام الذي كانت رسالته في زمن نبيه وعصور عظمته ان يقوم بتمثيل ما هو كوني في الثقافات وفي الايمان والذي يمكنه اليوم ان يقدم هذا النموذج، ولقد استطاع العقل العربي والاسلامي وخاصة في العصر العباسي وفي عصر الاندلس أن يستوعب ثقافات الأمم وأن يتمثلها، ثم يشارك مشاركة فعالة في الجهود الانسانية الحضارية فضلا عن تمييزه وابتكاره ورقيه، من اجل تقدم وتطور الحياة الانسانية وهذا ما نحن بحاجة اليه اليوم. وليس العودة الى الوراء والى الطقوس والى المفاهيم الوهابية الرجعية.
ومن الجدير ذكره بأنه في ذلك الوقت من التاريخ تصدى الأدب العربي ضد الشعوبية والتمزق على اساس إثني مثل الجاحظ وابن قتيبة. وللجاحظ مقالات وردود على الشعوبية في كتابه "البيان والتبيان" أو الرد على الشعوبية.
ونشطت الحركة العلمية في ذلك العصر نشاطا كبيرا تمثل في العناية بالتعليم، لا فرق في ذلك بين الخلفاء وولاتهم وبين العامة. وكانت المساجد مراكز نشطة للتعليم كما كثرة المكتبات كما نشطت حركة الرواية والرحلة في طلب العلم كما تزايدت حركة النقل والترجمة ورعاية الخلفاء لها، ومن اشهر مترجمي ذلك العصر اسحاق بن حنين وحنين بن اسحاق ولده وثابت بن قرة. وكانت حركة الترجمة والتأليف شاملة للعلوم والفنون والأداب. هذا الانفتاح الحضاري الذي كان نحن بحاجة اليه اليوم، ولكن بعد تشويهه من قبل الوهابية ودعم منظمات الارهاب الاسلاموية من قبل الولايات المتحدة واسرائيل، انغلق في خصوصيته الشرق اوسطية الوهابية، وكرجال الدين الرومان لا يفتح بابا لطموح الجميع لطموح الشعوب ولطموح الطبقات المسحوقة ولطموح الطبقة العاملة، وانما ينغلق على عادات وطقوس الماضي بدلا من ان ينفتح على المشكلات الكبرى لشعوبنا العربية والاسلامية وبدل ان ينفتح على مشكلات عصرنا، بدل ان يكون طريقا للنضال ضد الهيمنة الامبريالية الصهيونية الرجعية العربية – هذا الثالوث الدنس – على المنطقة، وهكذا اصبح الاسلام موضوعا للتاريخ في حين انه كان طوال قرون حتى سقوط الاندلس وحرق كتب ابن رشد فاعل التاريخ الخلاق، حيث كان الاسلام مخصبا بالاتحاد مع واقع الحياة والتجليات الروحية، وكانت صوفية مسلمي الاندلس الاكثر اقترابا من التجلي الانساني ليسوع المسيح.
وكما كتب انجلز في كتابه "اصل العائلة والملكية الخاصة" سقوط حضارة الاندلس هو الحادث الوحيد عبر التاريخ بسببه تعود الحضارة الانسانية إلى الخلف ولا تسير إلى الامام. وفي وقتنا الحالي تتم ممارسات فرض الخضوع والسيطرة والهيمنة من قبل الولايات المتحدة عالميا واسرائيل في المنطقة وهذه السيطرة ليست سيطرة هتلر ولكنها سيطرة اللوبي الامريكي الصهيوني والذي يمسك بمفاتيح الولايات المتحدة وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية وتحديدا الآن زمن رئاسة ترامب ونائبه وزوج ابنته وسفيره في اسرائيل وافتتاح السفارة الامريكية في القدس والاعتراف بالقدس موحدة وعاصمة لاسرائيل كل ذلك دليل واضح بان هذا اللوبي الارهابي غير الانساني يمسك بمفاتيح القرار الامريكي يمسكون بمقاليد الامور ليس في الولايات المتحدة الامريكية لا بل في العديد من دول العالم.
هناك فاشية حاخامية افنغالية ببتسية مسيحية صهيونية تجهيلية تخدم مصالح الامبريالية العالمية والصهيونية تتبنى مفاهيم "صدام الحضارات" لهانتنغتون والبنتاغون وهي رأس الحربة "لكتيبتها" المتقدمة ضد الشعوب العربية وخاصة الشعب السوري والفلسطيني، انه برنامج ثيودور هرتسل المطبق بعد قرن من الزمن بواسطة النازيين الجدد في بروكلين والبيت الابيض وبين اليمين الصهيوني العالمي وفي اسرائيل. الرأس المفكر لهذه السياسة العدوانية الاستباقية العسكرية والتي يسكنها نفس الشيطان – صدام الحضارات لهانتنغتون ومفاهيم شعب "الله المختار" او "الشعب المميز" – يكوّن الكتيبة العنصرية العدوانية للمسيحية الصهيونية والصهيونية ضد الشعوب العربية. هذا الرأس هو فاعل الجرائم في افغانستان والعراق وليبيا واليمن وفلسطين، ومرتكب جرائم المؤامرة على سوريا وحكام اسرائيل ما زالوا يمارسون ابشع السياسات الاستعمارية على ارض فلسطين مرتكبين جرائم القتل على حدود غزة وعلى ارض فلسطين.
نعم بعد كل هذا نستطيع ان نقول بان هتلر كسب الحرب وتحققت اهدافه: تدمير الاتحاد السوفييتي وتبعية اوروبا والسيطرة على العالم بواسطة شعب مختار آري بالامس وامريكي اسرائيلي اليوم.
وفي النهاية من المؤسف والمحبط أن يكون الاحتفال بعيد النصر على النازية في غابة الجيش الأحمر بتاريخ 10/5/2018 بحضور يغئال ياسينوف رئيس الصندوق القومي الاسرائيلي، الذي ترأس الاحتفال ورفض ان يُرفع العلم الأحمر خلال الاحتفال وقال لأحدهم بأنه ضد الشيوعية. وكانت كلمات لممثل المؤتمر اليهودي العالمي، وممثل المؤتمر اليهودي الروسي، وكلمات لرجال دين يهودي، وأورثوذكس روسي ورجل دين مسلم، ولقد منع ممثل السفارة الروسية من القاء كلمة.
ومن إفتراءات المدعو يغئال ياسينوف ممثل الصندوق القومي لاسرائيل الذي ترأس الاحتفال بأن الاحزاب قامت بأعمال فوضوية ومنذ عام 1967 لم تقم احتفالات بذكرى النصر على النازية. ولكن الكل يعلم بأن الحزب الشيوعي وحركة الصداقة سنويا كانت تحتفل بذكرى النصر على النازية وبحضور وفود سوفييتية ومشاركة المئات.
هذه الحقائق قالها لي رجل دبلوماسي روسي، ولذلك من المؤسف أن يسير نتنياهو في الساحة الحمراء وتحت العلم الأحمر، ورجاله هنا يمنعون رفع هذا العلم.