ماركس: "لاشمئزازي من كل عبادة للفرد، لم اسمح يوما، طوال وجود الأممية، بنشر الرسائل العديدة التي كانت تعترف بأفضالي والتي ازعجوني بها في مختلف البلدان، بل اني لم ارد عليها ابدا إلا أني في حالات نادرة قارعت مرسليها. وعندما انتسبنا انجلز وانا للمرة الاولى الى جمعية سرية للشيوعيين، وضعنا شرطا الزاميا وهو ان يشطب من النظام الداخلي كل ما يسهم في عبادة اعظم الرجال الخرافية".
عبادة الفرد ظاهرة غريبة عن الماركسية اللينينية، تتلخص في تعظيم دور انسان واحد ونسب سجايا خارقة اليه واعتباره شخصية تمارس التأثير الحاسم على مجرى العملية التاريخية.
ممارسة عبادة الفرد تتنافى مع الفهم المادي الماركسي اللينيني للتطور الاجتماعي الذي يؤكد على ان صانعي التاريخ الفعليين ليسوا الافراد العظام "الابطال" بل الشعب، الجماهير الكادحة.
نضال وكدح وكفاح الشعب بالذات يصنع جميع وسائل العيش الضرورية للناس وعزيمة الشعب وارادته تبثان في مصائر الثورات الاجتماعية ومختلف الحركات السياسية وحركات التحرر الوطني. وفي التقليل من دور الشعب بوصفه صانع التاريخ يتلخص، قبل كل شيء ضرر عبادة الفرد. وعلى الصعيد الايديولوجي تؤدي عبادة الفرد الى الجمود العقائدي وهذا يلحق الضرر بتطور الفكر الجدلي العلمي.
كذلك تؤثر عبادة الفرد تأثيرا سلبيا على تطور الفن والادب اذ تفرض عليهما اذواقا ذاتية، ولا يندر لهما ان ينصرف الى مدح الشخصية البارزة عوضا عن تصوير متأثر الشعب في القتال وفي العمل وفي صنع التاريخ.
وقد ناضل ماركس وانجلز ولينين بلا كلل ضد محاولات نقل فكرة وممارسة عبادة الفرد الى الحركة العمالية.
فقد كتب كارل ماركس، مثلا في احدى رسائله ما يلي:
"لاشمئزازي من كل عبادة للفرد، لم اسمح يوما، طوال وجود الأممية، بنشر الرسائل العديدة التي كانت تعترف بأفضالي والتي ازعجوني بها في مختلف البلدان، بل اني لم ارد عليها ابدا إلا أني في حالات نادرة قارعت مرسليها. وعندما انتسبنا انجلز وانا للمرة الاولى الى جمعية سرية للشيوعيين، وضعنا شرطا الزاميا وهو ان يشطب من النظام الداخلي كل ما يسهم في عبادة اعظم الرجال الخرافية".
(ماركس انجلز المؤلفات المجلد 34 ص 241).
إلا ان تحذيرات مؤسسي الماركسية هذه لم يأبه لها يوسف ستالين والذي ظل زمنا طويلا على رأس الحزب الشيوعي والدولة السوفييتية، والذي كانت له افضال كبيرة، ولكن هذه الافضال لا تبرر، عبادة شخصية ستالين، من قبل البعض في الماضي وحتى الآن.
فتعظيم دور رجل واحد امر غريب عن روح الماركسية اللينينية ويعتبر تراجعًا عن مبدأ جماعية القيادة، وهذا ما تعاني منه بعض الاحزاب الشيوعية والعمالية حتى الآن.
والتنكيلات التي قام بها ستالين في العديد من الحالات كانت غير مبررة والحقت الضرر الكبير بالمجتمع السوفييتي لاحقا.
وهنا تعيدني الذاكرة الى زيارة احد الوفود السوفييتية للبلاد بمناسبة عيد النصر على النازية وقد ترأس احد هذه الوفود الدكتور ايجود بيلايف نائب رئيس تحرير جريدة برافدا والمسؤول عن شؤون آسيا وإفريقيا.
وبصفتي رئيس رابطة خريجي الاتحاد السوفييتي في تلك الفترة وعضو سكرتارية حركة الصداقة مع الاتحاد السوفييتي، كنت احد مستقبلي هذا الوفد لمنطقة عكا، وخلال حديث عام بيني وبين الضيف ايجود بيلاييف تطرقنا لفترة جمال عبد الناصر في مصر، وعندما شعر الضيف بأن لي بعض الانتقادات على النظام الناصري وخاصة تعامله مع الحزب الشيوعي المصري، استشاط غيظا، وقال لي: لا تنتقد عبد الناصر، في مصر هناك النيل والاهرام وعبد الناصر. واقولها بصراحة بأنني صدمت من هذا التوجه الذي يعكس موقفا غير موضوعي وغير جدلي ويتميز بمفاهيم عبادة الفرد، من قبل انسان ماركسي دكتور وسياسي ومستشرق ونائب مدير صحيفة البرافدا.
وبعد ذلك بسنة زار البلاد ابن ايجور بيلايف ألكسي، وخلال لقائي به، ذكرت له ما دار بيني وبين والده في السنة الماضية خلال زيارته للبلاد.
فقال لي الكسي: لا تعجب من ذلك فعلاقة والدي بالزعيم عبد الناصر كانت متينة جدا وانا كطفل (اي الكسي) كنت اجلس في حضن عبد الناصر يداعبني، وشخصية عبد الناصر كانت قوية وجذابة ومؤثرة على كل من حوله، ولكن طبعا هذا الرد لا يبرر مفاهيم عبادة الفرد.
وهنا لا بد ان نؤكد بأنه الى جانب النضال ضد عبادة الفرد يعترف الماركسي اللينيني بدور القادة، بدور منظِّمي الجماهير فبدون الحزب وبدون قيادة سياسية محنكة ومؤهلة تعجز الطبقة العاملة عن الظفر بالسيادة السياسية.
كتب لينين يقول:
"ان طبقة واحدة في التاريخ لم تتوصل الى السيطرة، قبل ان تقدم زعماء سياسيين لها ممثلون طليعيون لها، قادرون على تنظيم الحركة وقيادتها".
(المؤلفات الكاملة المجلد 40 صفحة 375).
ففي النهاية كل مسؤول وقائد سياسي يتحمل بدوره المسؤولية عن أعماله أمام الجماهير والحزب والطبقة العاملة.
المراجع:
لينين – المؤلفات الكاملة.
ماركس انجلز – المؤلفات المجلد 34.
معجم الشيوعية العلمية.