أهمية -المعرفة المادية- والعمل من خلال الهيئات الحزبية

24 أيلول/سبتمبر 2014, 12:00 am كتبه 
نشر في مقالات
قراءة 697 مرات

في رسالة من إنجلز إلى كونارد شميدت بتاريخ 5 آب 1890 كتب يقول: إن كلمة "المادي" هي على العموم بالنسبه لكثيرين من الكتاب الشباب في المانيا كلمة بسيطة يطلقونها على كل ما يطيب لهم، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الدراسة بإطراد، أي أنهم يطلقون هذا النعت ويعتبرون أنهم حلوا المسأله بذلك. لكن مفهومنا للتاريخ هو في المقام الأول مرشد للدراسه، وليس رافعاً للبناء على طريقة الهيغلية. ينبغي أن ندرس التاريخ كله من جديد. ينبغي لنا أن نبحث بالتفصيل ظروف وجود التشكيلات الإجتماعية المختلفة، قبل أن نحاول أن نستخلص منها مفاهيم سياسية وحقوقية وجمالية وفلسفية ودينية وما إلى ذلك، مناسبة لها. وما تحقق في هذا المضمار بحاجة الى عون كبير. فالميدان رحب الى ما لا نهاية. وإن من يريد أن يشتغل بصورة جدية يمكنه أن يفعل كثيرا ويبرز. ولكن عوضا عن هذا، لا يشكل الكلام عن المادية التاريخية (فمن الممكن تحويل كل شيء الى كلام في كلام). عند كثيرين من الألمان من جيل الشباب غير ذريعة لتصنيف وترتيب معارفهم التاريخية الخاصة، القليلة جدا نسبيا (فالتاريخ الإقتصادي لا يزال بعد في الأقمطة!) بأسرع ما يمكن، وثم للإعتزاز بأنفسهم بوصفهم من "أعظم ألرجال".

وفي رسالة من ماركس إلى ولهم بلوس بتاريخ 1877 كتب يقول: أنا "لا أغضب" (كما يقول هينه*)، وكذلك إنجلز، فكلانا لن يدفع، ولو متليكا عتيقا، من أجل الشعبية، إليك برهانا لإشمئزازي من كل عبادة للفرد، لم أسمح يوما طوال وجود الأمميه، بنشر الرسائل العديدة التي كانت تعترف بأفضالي والتي أزعجوني بها من مختلف البلدان، بل إني في حالات نادرة قرّعت مرسليها. وعندما إنتسبنا إنجلز وأنا للمرة الأولى إلى جمعية سرية للشيوعيين**، وضعنا شرطا لا نحيد عنه، وهو ان يشطب من النظام الداخلي كل ما يسهم في عبادة أعاظم الرجال الخرافية. (وفيما بعد إتبع لاسال سلوكا معاكسا تماما)...

بعد قراءتي لهاتين الرسالتين تساءلت كم لاسال إتبع أسلوبا معاكسا لهذا الموقف الماركسي في الحركة الشيوعية العالمية والعربية، وعدت بذاكرتي إلى فترة الدراسة في الإتحاد السوفييتي في سنوات السبعين عندما كانت تُعَلَّق في العديد من الأماكن العامة بمناسبة أو بدون مناسبة صور أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي حينها، وعدت بذاكرتي إلى الفترة الستالينية، عندما كان يعقد إجتماع للمكتب السياسي للحزب في "العزبة" الريفية لستالين مع بيبريه وبعض الأعضاء وتتخذ القرارات المصيرية إيجابا أم سلبا، وإستمرار تأليه الشخصية بعد ذلك ليس في الاتحاد السوفييتي فقط، بل أصابت هذه العدوى العديد من قيادات الأحزاب الشيوعية عربيا وعالميا، هي الذاتية والممارسات التي أدت إلى عبادة الشخص، والتفرد بالسلطة، وإلغاء دور الهيئات وتهميش أسلوب القيادة والعمل الجماعي، والإنتهازية خدمة للمصالح الذاتية. وكذلك أزمة الماركسية الحالية، عدم فهم المادية الماركسية من قبل العديد من القيادات الشابة، بسبب عدم تكليف أنفسهم عناء الدراسة بإطراد، وإستغلال المعرفة الماركسية الصحيحة كمرشد للعمل الجماهيري الواسع. وإستخلاص مفاهيم سياسية وحقوقية وجمالية وفلسفية مناسبة للعمل في هذا المجتمع أو ذاك، لكي لا يتحول كل شيء الى كلام في كلام، فميدان العمل السياسي الجماهيري الفكري الأيديولوجي واسع ورحب الى ما لا نهاية، ومن يريد أن يعمل بصورة جدية ثورية مثابرة يمكنه أن يفعل كثيرا ويبرز من خلال العمل الجماعي ومن خلال الهيئات، مسترشدا بالوعي والفكر الماركسي.

قيم الموضوع
(0 أصوات)
د. خليل اندراوس

الدكتور خليل اندراوس

الموقع : www.khalil-andrawes.com