على مدى عشرات السنين استطاع الإعلام الغربي الرسمي إقناع الغالبية الساحقة من الشعب الأمريكي، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، بوجود خطر شيوعي سوفييتي يهدد أمن الولايات المتحدة. ولكن من المهم أن نواجه الحقيقة المؤلمة والمحزنة، ألا وهي أن الحرب الباردة كانت في الأساس تخدم طغمة المؤسسات العسكرية في الولايات المتحدة، لتبتر عشرات مليارات الدولارات من خزينة الدولة الامريكية. وفي نفس الوقت فرضت على الاتحاد السوفييتي سابقا سباق تسلح منقطع النظير، كان أحد الأساليب وليس السبب الوحيد في تفكك الدولة السوفييتية، التي عانت من حربين عالميتين، بادرت إليها دول رأس المال العالمي.
ولكن المشاعر المحمومة والمعادية للإتحاد السوفييتي والشيوعية المسيطرة على الوعي للشعب الأمريكي بتأثير الإعلام الرسمي للنخبة الحاكمة في أمريكا، ممثلة رأس المال الأمريكي والغربي، جعلت الشعب الأمريكي يرى "العدو" الخارجي الشيوعي بينما العدو الحقيقي للشعب الأمريكي كان وسيبقى بالأساس العدو الداخلي المسيطر على مراكز القوة في أجهز الأمن القومي والاستخبارات الأمريكية، أعني عصابة المحافظين الجدد، أيديولوجيي "وفلاسفة" الحرب "المالتوسية الجديدة" من يمين مسيحي صهيوني، ولوبي صهيوني منتقد ومؤثر على السياسة الأمريكية الخارجية لأنه أيضا يمثل مصالح رأس المال العالمي عامة واليهودي خاصة.
فقد أثبت التطور التاريخي للحرب الباردة ان الدولة السوفييتية كانت تسعى وتؤمن بمبدأ التعايش السلمي وتركز على ضرورة الحفاظ على السلام العالمي لمصلحة الإنسانية جمعاء، وكذلك فرية الخطر السوفييتي الشيوعي المبتذلة جعلت كهنة الحرب الرأسماليين، يمارسون عملية تزوير تاريخي بتضخيم وتهويل القوة العسكرية السوفييتية، مع علمهم المسبق منذ السبعينات، بأن الاتحاد السوفييتي اقتصاديا وإداريا وثقافيا وسياسيا في حالة انحدار وتقهقر في القوة وخاصة الاقتصادية. وهذا الأمر جعل هنري كسيجنر منذ السبعينيات يقول "بعد القضاء على الخطر الشيوعي علينا البحث عن عدو آخر، وهذا العدو هو الإسلام" والهدف من هذا تبرير السياسات العدوانية لكهنة رأس المال العسكري الأمريكي بالأساس.
ولكن بالإضافة إلى ذلك فعصابة اليمين المسيحي الصهيوني وضعت في أساس أجندتها ليس فقط المصالح الرأسمالية "والأمنية" لأمريكا، بل أيضا تعزيز الأهداف الإمبريالية لدولة إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط الإستراتيجية، وأكبر مصدر للطاقة النفط في العالم.
فالخطر الحقيقي الذي يواجه الشعب الأمريكي وشعوب العالم هم كهنة الحرب- القوى الإمبريالية المجنونة المصممة على استخدام الموارد والقوة العسكرية الأمريكية عالميا وإسرائيل منطقيا من أجل فرض دولة بوليسية عالمية ونظام عالمي جديد يخدم مصالح رأس المال العالمي وخاصة العسكري وشركات النفط. وهذه العصابة- من "كهنة الحرب الإمبريالي التي أشرعت سيوفها في وجه الخطر الشيوعي" تستخدم "الخطر الإسلامي" بوصفه الخطر الجديد الذي يجب القضاء عليه. وهذا ليس من العجيب فخلال سنوات الحرب الباردة أذاع "المحافظون الأمريكيون" وبخاصة أتباع جمعية بيرتشر (جمعية تروج العداء للشيوعية حتى الآن، وتعتقد أن ستالين مختبئ في خزانة الكرملين، ينتظر ليخرج في اللحظة المناسبة ليوجه ضربته القاضية)، دون أي اعتبار، للحقائق التاريخية وأي اعتبار لمعاناة الشعب الفلسطيني- أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت جزءا من شبكة إرهابية مدعومة من الشيوعية والسوفييت.
وليس من المستغرب إن الخرافات والأكاذيب حول، منظمة التحرير الفلسطينية، يتبناها وينشرها كتاب وإعلاميون موالون للمحافظين الجدد مثل كلير ستيرلنغ CLAIR STERLING الذي أعد "دراسة" شائنة بعنوان "شبكة" الإرهاب "THE TERROR NETWORK " والتي أصبحت فيما بعد مرجعا معتمدا لدى اللوبي الإسرائيلي في حملاته لإحباط القضايا الوطنية الفلسطينية. واليوم وباسم محاربة "الإرهاب الإسلامي" ترأس عصابة اليمين المسيحي الصهيوني دولة البوليس في أمريكا نفسها تحت ذريعة "حماية الحرية".
والآن بعد انتهاء الحرب الباردة المعلنة على الشيوعية، يستمر كهنة الحرب الرأسماليون بإعلان حرب جديدة ساخنة ضد الإسلام. والمسماة "الحرب على الإرهاب".
(كفر ياسيف)