عندما طرح المسؤولون في واشنطن في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، مبدأ "مكافحة الارهاب الدولي"، وكانوا يتوخّون بلوغ عدة أهداف سياسية واقتصادية، وعلى رأسها ضرب حركات التحرر الوطني، والسيطرة المباشرة وغير المباشرة، على الدول التي لتوها تحررت من الاستعمار في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
ومن هذا المنطلق "فالويلات" الامريكية نعتت كل من يرفض الخضوع للأوامر وإملاءات الولايات المتحدة بالارهابي، حتى المنظمات الدمقراطية المعادية للأنظمة الرجعية والدكتاتوريات العسكرية الفاشية وضعت في خانة لمنظمات الإرهابية، وكذلك كل النضالات التحررية المعادية للهيمنة الامريكية، وعلى نضال شعوب البلدان النامية ضد السيطرة الاجنبية، وفي سبيل الاستقلال الوطني وهذه الاسترتيجية ليست بالجديدة، ففي الماضي أيضا حاول ايديولوجيو البرجوازية أن يطلقوا على كل النضالات الثورية كلمة الارهاب ووصفوا النضال الشرعي للشعوب ضد الاستعمار والتعسف والنهب الامبريالي بأنه جريمة وإرهاب.
ومنذ الخمسينيات من القرن الماضي تُصور وسائل الإعلام في الغرب شعوب "العالم الثالث" والذي عانى على مر مئات السنين من الإستعمار المباشر، وعلى الاخص الشعوب العربية، على أنها من الارهابيين.
والكثير الكثير من علماء الإجتماع والفلاسفة والروائيين الغربيين ممثلي الثقافة البرجوازية الغربية، ممثلي طبقة رأس المال المسيطرة في الغرب، قد نعتوا العرب بأبشع النعوت، وبعد الحرب العالمية الثانية إلى تلك النعوت نعت آخر وصار العرب ينعتون بالإرهابيين، ان "النظرة المعادية للعرب والإسلام" التي غذتها وعمقتها واستأثرت بها وسائل الإعلام الغربي بإيحاء من الأوساط الحاكمة، في الدول الامبريالية إنما تخدم أغراضا محددة تماما، هي تبرير سياسة الغزو التوسعية التي تطبقها ضد البلدان العربية أهم "حليفة إستراتيجية" للغرب وخاصةً أمريكا- إسرائيل. وكذلك تبرير الأعمال العدوانية والغارات الارهابية الأمريكية ضد الدول العربية من لبنان إلى ليبيا والسودان، واحتلال العراق من خلال الإدعاء بأنه يمتلك السلاح الذري والكيماوي، والذي ظهر بعد ذلك بأن ما نشرته وسائل الاعلام الغربية والاسرائيلية كان خداعا وكذبا لتبرير احتلاله من أجل سلب نفط العراق الذي يكوّن 10% من المخزون العالمي.
وكما قال أحد أعضاء مجلس النواب الأمريكي، وعضو اللجنة الخاصة بشؤون المخابرات، حيث قال: "نحن كالفطر يحتفظون بنا في ظلام الجهالة، ويطعموننا بروث الاعلام المزور". فخرافة "الارهاب الدولي" وعنصرية الاعلام الغربي ضد العرب والإسلام في القرن الماضي والآن ما هي إلا تغطية للأيديولوجية العسكرية العدوانية.
"ألمالتوسية الجديدة" للإمبريالية العالمية وربيبتها إسرائيل لتبرير حربها ضد كل من لا يخدم مصالحها، ومن اجل فرض "عالم على الطريقة الامريكية على المعمورة جمعاء" أي أمركة العالم" سياسيا وحضاريا وثقافيا، وهذه السياسة على الصعيد العالمي تكتسب أشكالا مختلفة من الإبتزاز والتخويف والحصار الإقتصادي، ومثال على ذلك - الحصار الإقتصادي على كوبا. وتدبير المؤامرات واغتيال رجالات الدولة والشخصيات الإجتماعية، وتنظيم الحملات العسكرية واحتلال دول مثل أفغانستان والعراق، من أجل شطب سيادة الدول والشعوب من خلال حروب عدوانية، أو كما سماها "بوش الصغير"، "حملة صليبية" على الارهاب على نطاق عالمي.
وهذه الإستراتيجية لن تتغير بشكل جذري في فترة حكم أوباما، لأن الرئيس الجديد مهما كان اسمه أو شكله يبقى ممثلاً لمصالح الطبقة البرجوازية المسيطرة، في الولايات المتحدة الامريكية، قد يتغير تكتيك اللغة، أو الممارسات السياسية هنا أو هناك ولكن لا يمكن أن يحدث تغير في الإستراتيجية الامبريالية العامة. ومن هذا المنطلق اتفاجأ برفض امريكا المشاركة في المؤتمر العالمي ضد العنصرية والذي سيعقد في جينيف لأن هذا المؤتمر سيكشف عن عورات وسياسات إسرائيل العنصرية العدوانية، وهذا ما لا ترضى به أمريكا لانها شريكة "كاملة مائة بالمائة" في هذه الجرائم.
موسومة تحت
