ما يجري في عالمنا العربي من خليجه الى محيطه، يؤكد بأنه لا يكفي امتلاك المعرفة والتقنيات الحديثة، لكي نسير على طريق التقدم والحداثة، بل في بعض الحالات تستغل التقنيات الحديثة من شبكات تلفزيون فضائية وانترنت من أجل إعادة عقارب الساعة الى الوراء، والقيام بخطوة تقنية الى الأمام من أجل عشرات الخطوات الفكرية والثقافية والسياسية والاجتماعية الى الوراء ايضا.
فمن يتابع وسائل الحداثة الرسمية في عالمنا العربي وأنظمته الاستبدادية، من خليجها الى محيطها ومن محيطها الى خليجها، يشاهد كيف أن السلفية الإسلامية في الشرق والسلفية المسيحية تجدد نفسها بوسائل الحداثة، فمثلاً هناك العشرات من المبشرين الأمريكان وغير الأمريكان في خطبهم المتلبسة بالدين والإيمان تنشر وتبث روح الكراهية نحو الأديان والمذاهب والشعوب الأخرى وخاصةً ضد الكاثوليك في الغرب والإسلام وحتى انه بلغ حض التحريض على القتل، ومثل على ذلك ما فعله أحد المبشرين الأمريكان في حزيران 2005 عندما دعا الى اغتيال الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز المناهض للهيمنة الامبريالية الأمريكية في أمريكا اللاتينية.
وما صرح به أحد مديري شركات الحراسة بل القتلة المرتزقة في العراق والذي قال بأنه أتى للعراق للقضاء على الاسلام وما يفعله بعض الأئمة المسلمين وبعض رجال الدين المسيحيين في دور الصلاة الرسمية وغير الرسمية، تدعو الى نشر الكراهية بين الشعوب والأديان والدين الإسلامي والمسيحي الشموليان براء منها.
أليس استعمال الشاشة الصغيرة لنشر دعوات سلفية أصولية مسيحية في الولايات المتحدة ونشر دعوات أصولية إسلامية في العالم الإسلامي، أليست هي استنساخا لمقولة غوبلز أن "باستطاعة الحاكم استباحة عقول الناس".
ما تقوم به وسائل الإعلام الغربي ووسائل الإعلام الفضائية في بعض الدول العربية السلفية من بث ونشر برامج سلفية تشمل جميع مجالات الحياة من الطب والفلسفة والسياسة والدين والتي من أراضيها وصلت القذائف الى إسرائيل لتحرق أطفال ونساء وشعب غزة، يعرض جيل الحاضر وأجيال المستقبل لقتل الذات جسديا وروحيا ولقتل الآخر. ولقد أصبح التنزه على شاطئ غزة وإجبار النساء ارتداء غطاء الرأس قضية وطنية أهم من تجنيد الجماهير الشعبية لمقاومة الاحتلال وأهم من العمل من أجل بناء جسور التواصل بين أبناء الشعب الواحد والحفاظ على الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني.
لقد عانينا في الماضي الأمرّين عندما ركب الإعلام العربي موجة التحريض التي قادتها أمريكا ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان، واليوم أمريكا تحتل أفغانستان والأصولية التي قاتل باسمها الشباب العربي من المحيط الى الخليج، والتي أطلقت أمريكا عليها حينها اسم مجاهدي الحق، أصبحت اليوم في خانة الإرهاب.
فالسلفية الرجعية الدينية بكل أشكالها إسلامية شرقية، أو غربية مسيحية، تخدم في الغرب سلطة رأس المال وفي الشرق تخدم الأنظمة الاستبدادية، في العالم العربي والإسلامي.
عشرات لا بل مئات المليارات تهدر على التفاهات في شرقنا العربي أو تستغل في الغرب وخاصةً في أمريكا من أجل دعم اقتصادها، بينما العالم العربي لا يزال من أكثر شعوب الأرض فقرا وأمية. وحتى المعرفة والتقدم في مجتمعاتنا تستغل في تشويه الوعي والهوية والثقافة والفن لشعوبنا فكما كتب أحمد زويل في كتابه "عصر العلم" "إن هاجس "المؤامرات" يتغذى من عقولنا لأننا نعيش في عالم مستمر من الخرافات" وأي سلفية وخاصة الدينية أي دينية هي خرافات حتى ولو لبست ثوب التقنية والتقدم التكنولوجي، وثوب المعرفة.